منصة الصباح

لي .. أطياف مصاحبة

بقلم : محمد الهادي الجزيري

‏ عرفت العديد من الناس الكرام.. من مختلف الأقطار والأجناس والقوميات ..، وتفكّر فيهم كثيرا خاصة منذ فرضت عليك الكبوة الصحيّة البقاء في البيت وأمام الأنترنات والتلفزة ..صرت تحدّثهم صامتا وتسأل عن أحوالهم كلّما مرّ بك واحد منهم في قنوات التواصل الاجتماعي أو عبر أحد منهم ذاكرتك ..، لكم تشتاق إلى ما مضى من جنون جمعك بهم ..من تداعيات مرّت بكم ..من شعر وفوضى وعبث وإطناب على الحياة ..، فلك اليوم أن تستحضر فئة منهم إلى الأوراق ..سيغضب العديد منهم ولكن سيكون لهم في البياض مكان إن طال العمر ..فهم أعزّاء طيبون ..، فلتبدأ الآن باستحضار من أردت..

المسيح أحمد زجّال مغربي ..عرفته يوم دعاني إلى المغرب أصدقاء آخرون ..في ورزازات ذاك المكان شبه الصحراوي الدافئ بسكانه وحرارة حبّهم وحفاوتهم ..لم تزل بسمته المرسومة على وجهه ..، أستحضر تواضعه المدهش وسخريته من كلّ شيء وخاصة تندّره بهادم اللذات ومفرّق الجماعات ..بإطلاق ضحكة مدوّية منتهية دائما بقولته التي صارت مشهورة : ” الموت إشاعة ..والحياة إشاعة ..وأنا كذلك إشاعة ..” ويغرق الكلّ في الضحك إذ لا تخفى عمق فلسفته عن أحد ..وهل يجالس أحدا عاديا؟ ..لا إنّه أهمّ زجال مغربي إنّه صديقي الوفيّ ذو الأخلاق العالية…

بوزيد حرز الله ..شاعر ورحّالة جزائري ..استضافني أيام كانت الجزائر عاصمة للثقافة العربية وأكرمني رفقة نخبة من شعراء تونس في قسنطينة أين كشفنا عن وجوهنا للسادة الحاضرين وأنشدنا من قصائدنا ما طاب لنا..واكتشفت بفضله أماكن خلابة في العاصمة ..وآخر ما أفحمني به زيارتي في بيتي للاطمئنان عليّ إثر وعكتي الأخيرة ..بوزيد حرز الله ..شاعر يكتب بجسده ويستحي أن يقرأ في كلّ وقت ..له أنفة غريبة تحبّبه للناس وتجعله دائما قريبا من القلب…

الطيّب الجمّازي شاعر وباحث تونسي ..أذكره في هذه اللحظات بحبّ وشوق ..، وأذكر أنّ في فصل شتاء قديم ..كنّا ( مجموعة أصحاب ) نشتكي من شدّة البرد ومن قلّة ذات اليد ..فأمرنا الطيّب بمرافقته إلى البنك ..، وكنّا جميعا نعرف أنّ رصيده فارغ ومتجاوز الخطّ الأحمر ..لكنّا أخذا بالخاطر ذهبنا معه وما إن دخلنا البنك ..جلسنا في ركن ما وظللنا نتابع المشهد..، أوّل شيء لفت انتباهنا من خلف زجاج المدير..، أنّ الأعصاب بدأت في التوتّر والأيدي ارتفعت إلى الأعلى ..ولمّا هممنا بمغادرة البنك لننجو بأنفسنا ..خرج لنا الطيّب مبتسما وفي يده ورقة..، أخذ الورقة إلى عون النافذة فأعطاه المال ..، إثر ذلك قال لنا الطيّب إنّ البنوك خصصت لتعطينا المال ..، ومن يومها لقّبته ” بالطيب حجر ” ..فلم أر حسب علمي رجلا حجريّا مثله…

رحم الله بلقاسم مزداوي ..كان أديبا وصحفيا ليبيا ومات في ظروف مؤلمة..، لكن ترك بقلبي أشياء كثيرة لا يمكن أن تنسى..مثل حادثة حجّي إلى بغداد سنة 2002 لنصرة الشعب العراقي ..إبّان دعوة القيادة العراقية لحماية المؤسسات بالأجساد البشرية ..، المهمّ أنّي تركت كلّ شيء في تونس ..وأسريت في ظلمة الليل إلى ليبيا ..لأمرّ منها إلى الشرق ..فبغداد بعد أن أتدبّر أمري …، وألقاني حظي الجيّد في حضن بلقاسم مزداوي عن طريق أصدقاء آخرين ..، ووعدني بمواصلة طريقي إلى بغداد ..ما عليّ فقط إلا الصبر في انتظار أن يربط بعض العلاقات ..( كلام جميل وشعري ) واستضافني في بيته المعمور ولم يخف عنّي ظروفه المادية ولا فقره الواضح ..، وبعد أن اطمئن قلبي وحنّت النفس لأهلي بتونس

دعاني للمشاركة في أمسية شعرية طرابلسية ..ثمّ وضع مبلغا ماليّا في جيبي قائلا لي :

”  ” ستفرح بغداد حين تضمّ أبناءك وتصون زوجتك ..عد إلى تونس حيث بيتك

وعانقني فبكيت وشكرته على كلّ ما فعل ..، رحمه الله وأسكنه جنانه

هذه حلقة من ذكرياتي وحنيني إلى أصحاب كثيرين .. وأحبّة يسكنون القلب ….

شاهد أيضاً

فتح أبواب المدارس أيام السبت لطلبة شهادتي الأساسي والثانوي

  الصباح وجه وزير التربية والتعليم موسى المقريف اليوم كتابا الي مراقبي الوزارة بالبلديات، وجه …