منصة الصباح

العائدون من المعارك

دفـــق

بقلم/ سعاد الوحيدي

 

استكنت، وأنا في طريقي لجامعة طرابلس، لحضور مناقشة مشروع تخرج ابنة اخي آية، (الحدث الذي سيعقبه حفل غامر وفق تهديدها)، لأسطورة أفريقية جميلة تحتفل بالهدية. إذ لا ينفك الولوج لموعد «فرائحي» في ثقافتنا، عن الهدية/الرمز لمستوى الإنغماس في المناسبة. لكن حيرتي تجاه ما قد يترجم فرحتي، واحتفالي بها (وكل شيء لديها)، كانت قد أربكت قراري، فقررت إستنساخ فكرة صبي تلك الأسطورة بالخصوص. والذي كان يريد أن يقدم هدية لجده في عيد ميلاده، تليق بمقامه كزعيم للقبيلة، لكنه لم يكن يملك شيئاً غير قلبه المملوء بالحب والتعلق. فقرر السير من قريته حتى المحيط، في رحلة استغرقت عدة ايام. هنالك جمع ما بدأ له اجمل القواقع، رأها متناثرة على رمال الشاطيء، كعقد لؤلؤ  تقلده  البحر، والتي عاد بها سيراً اياما اخرى، ليطرحها بين يدي الجد. وقد فرح الرجل المسن كثيراً بها، لكنه، وقد تعاطف مع وجع المسير الذي أدمى قدمي الصبي، فكر بإن تلك الهدية البسيطة قد كلفت الكثير من السير، وقال لحفيده: «ولكنك يا عزيزي لقد مشيت كثيراً من اجل هذه الصدفات!!». فأجابه الصبي على الفور:»ولكن يا جدي إن السير كان جزءاً من الهدية».. مجيء لكلية الهندسة، وحضوري إحتفال «باشا مهندس آية الوحيدي» بتخرجها، كان بالنسبة لي هو الهدية. وهي تدرك ذلك، لأنها كانت المرة الوحيدة التي ترى فيها عمتها، المسكونة بالوجع حتى التختر، تشارك في أي احتفال كان. على أنها لم تدرك أن مشروع تخرجها ذاته، (حول دعامات الاطراف المشلولة، كمدخل لرسالتها حول الاطراف الصناعية لفاقدي الأطراف)، قد عطل «مشروع فرحي/أو احتفالي». وجعل مسار عودتي للدار مثقلا بالآه، وقد كدس الحزن على الوجع أوجاعاً. وذلك رغم شحنة الإبتهاج الذي شحدتها في أعماقي لهنيهة، وهي تهدي بحثها، كما فعل الصبي الافريقي، لجدتها/لأمي الجميلة. حيث سرعان ما ستشرح إن سر إختيارها لهذا التخصص (في الهندسة الميكانيكية)، هو إعتقادها بإلحاح الحاجة إليه في ليبيا الان، وإن تساهم من خلاله في نجدة ضحايا المصادمات المسلحة، التي ما فتئت تترك وراءها أعداداً صادمة، من الشباب العائد للديار بجزء مفقود من أجسادهم….(أثنى أستاذها المشرف، البرفسور كنشيل، على حماسها للموضوع)، وكان هذا موقفي العقلي. غير أني كنت أصرخ في أعماقي: لماذا تفكرصبية يافعة في التخصص في مثل هذا المجال المؤلم/ الموجع؟ ولماذا وصل بِنَا الحال إلى هذا الحد، الذي يجعل من أمر العناية بمن يعود من الجبهات دون ساق، أو دون ذراع …الهم الأكبر للأمة/ و»فرض العين» الأهم.

لقد بات السؤال عن أعداد هؤلاء، ومصيرهم….(ودون أي بعد تعبوي)، اشكالية سيادية ضاغطة. كما تفاقم القلق بشأن من يتابع أمر الجرحى بالأساس؟ ولماذا تراكمت قضايا الفساد المالي في هذا الملف؟، وكيف ينتظرهم الوطن بعد إنتهاء العلاج؟ وهل ثمة من علاج نفسي مُصاحب، أو استعدادات عملية لإنجاح عودتهم للعمل، للحياة، للتنقل، للألعاب الرياضية …  ولا شيء يبدو واضحاً فيما يتعلق باستراتيجيات ما بعد العلاج؟! بل ان مسارات العلاج، او العناية الطبية الضرورية ذاتها، باتت محل شك؟ وقد تزايد صراخ هؤلاء ….ولم يعودوا يخفون مشاعرهم بأن الوطن الذي قاتلوا من أجله، لم يعد يكثرت لأمرهم/ أو لمصابهم الجلل؟!!!.. في هذا الصدد لا أدري لماذا صعدت لرأسي، وأن استعيد تفاصيل هذا المشهد المأسوي لمصير جرحانا، رسالة كنت قد  تلقيتها منذ أكثر من عامين، من أحد المقاتلين ضد داعش في سرت،  تحمل تحذيراً مقلقاً بشأن مصير مصابي الجبهات، حيث يقول :» أشكك وبقوة في جدوى، أو ضرورة  بتر الأطراف لجرحى كان من الممكن علاج إصاباتهم دون بتر. أن هذا ينبئ بخلفية مفزعة، ويجعلني أفكر بإن الأمر ربما يتعلق بخيانة وطنية؟ أو بتجارة دنيئة، تُقطع خلالها أوصال ابطالنا من أجل حفنة دولار، أو حفنة مزايا؟»..  وهو التساؤل الذي يبقى عالقاً في حلق الضمير، والذي يرفع سؤالأ أعنف: هل ثمة، أبعد من أتون المعارك التي ما أنفكت تلتهم أعمارهم، أتوناً اخراً من التخلي/أو التآمر، يحصد منهم قطعاً غالية من أجسادهم؟

شاهد أيضاً

موسى يؤكد ضرورة سرعة ودقة إدخال بيانات الحجاج للمنظومة الإلكترونية

أكد منسق المنطقة الوسطى أ (مصراتة – زليتن – الخمس – مسلاتة) علي محمد موسى …