منصة الصباح

ألـــوان ..

بقلم : صالح قادربوه

من البديهي المعتاد أن تنسجم رؤية الفنان التشكيلي مع بصره ويده، فيتمكن من نقل الحلم الفني الذي يخصه بتضافر المشاهدة واللمس والتفكير، حتى كأن التشكيلي هو عيننا على العالم، عيننا القارئة المفككة والمنشئة، عين الوعي المبصرة، ولكن من غير التقليدي أن يكون الفنان التشكيلي الذي يرى ليرينا أعمى، وفوق ذلك لديه القدرة الخلاقة التي لديها أصحاء البصر، وهي حالات مثل الفنان البريطاني الراحل سارغي مان، الذي فقد بصره في الثلاثينيات من عمره بسبب مرضي، لكنه رغم ذلك أنجز لوحات مدهشة ذات حساسية عالية تجاه الألوان التي استطاع إنطاقها بالبهجة والحيوية والتأثير، وقد قالت عنه صفاء الصالح « على العكس من الظلام الذي يطبق على عيني مان، نرى في لوحاته فيضا من الضوء يشع من نوافذ أو أبواب لينير غرفا وفضاءات هندسية محددة تحتشد بشخصيات من عائلته وأصدقائه رسمهم بحميمية واضحة وسط كرنفال لوني مشع».ويذكر المصدر أن مان، المولود عام 1937، عرف «برسم المناظر الطبيعية والبورتريه أحيانا، وقد أقام معرضه الشخصي الأول في لندن عام 1963، كما عمل مدرسا للرسم بعد تخرجه من كلية كامبرويل للفنون مطلع الستينيات مركزاً في دروسه لطلبته وبحثه الجمالي على دراسة القوة التحويلية للضوء واللون والعلاقة بينهما. بدأت مشكلة الإبصار مع مان وهو في أوج عطائه في عام 1973، عندما أصيب بالسّاد (الماء الأبيض أو إعتام عدسة العين) أعقبته إصابته بانفصال الشبكية في كلتا عينيه، الأمر الذي انتهى بفقدانه القدرة على الإبصار نهائيا. خلال فقدان البصر التدريجي، حرص مان على مواصلة الرسم بتطوير تقنيات تساعده في عمله، كتحوير عدسات تيلسكوب تساعده في تكبير الصور، حتى انتهى بعد عماه إلى الاعتماد على حاسة اللمس واستخدام عجينة لاصقة وأربطة مطاطية لتحديد حدود الأشكال التي يريد رسمها على قماشة اللوحة».

وتضيف: «ولعل الراصد لمجمل نتاج مان في مختلف مراحله سيكتشف أنها تعكس بوضوح هذا الصراع مع فقدان البصر التدريجي، وقدرته على استثمار ما يتعرض له في سياق بحثه الفني والجمالي بدءاً من الغشاوة التي بدأ يرى فيها الألوان، حيث بدأ دماغه يراها تصطبغ باللون الأزرق، ومرورا بتجربة أن يرى الأشياء مزدوجة في أحدى عينيه ومفردة في الأخرى وانتهاء بظلام فقدان البصر التام. وطور مان، في تحديه لمحنته تلك، استراتيجية لمواصلة إبداعه الفني لم تتوقف عند تلك التقنيات الحسية القائمة على اللمس، بل زاوجها مع الاعتماد على عمليات إدراكية ومعرفية لخلق صوره الفنيه، معتمدا على الذاكرة «التي يصفها بأنها «رافقتني كنوع من التميمة»، فباتت الذاكرة والخيال والحدس متممات الرؤية لديه وأدواته في خلق أشكاله الفنية».

في بلد آخر يبرز تشكيلي آخر فاقد للبصر هو الأمريكي جون برامبيلت، الذي بسبب ذلك تذكر هدير محمد أنه « قضى فترة طويلة من الاكتئاب والحزن الا انه قرر الخروج من هذه الحاله  و استطاع ان يفاجئ الجميع في عام 2001 بلوحه رائعة ولعلها كانت نتيجة لشجار مع مجموعة من الأشخاص ، وبعد هذه اللوحة اصبح برامبليت كفيفا و لكن  بشكل نظرى فقط ، لانه عن طريق الاعتماد على بعض الدهانات المزخرفة قام بتطوير طريقة للرسم حتى يتمكن من الرسم على القماش. وتخيلات جون الذي يعتمد عليها في رسم لوحاته بعد ان فقد بصره عباره عن صور العالم و موجوداته ،فهو يعتمد على الالوان لابراز ملامح الصورة  و اكثر استخداماته تكون اللونين الأحمر والأسود لينتج لنا لوحات تسر نظرنا برغم من انه لا يستطع رؤيتها و لكن تلمسها وتصنعها انامله. أما الالوان التي كان يستخدمها ففي البداية لم يكن يعرف التميز بين الالوان الذي يريد استخدامها فاستخدم طريقة بريل لكتابة اسم اللون على ، ولكن بمرور الوقت استطاع ان يميز بين الالوان وبعضها عن طريق المس  ، و بهذا استطاع ان يرسم اجمل الوحات ويحصل على جوائز متعددة».

والتركي أشرف أرماغان الذي تقول سارة درويش إن «كل ما يحتاجه أشرف أرماغان  الفنان التركى الكفيف لإنجاز إحدى لوحاته، هو الصمت المطبق مع قلم برايل لحفر الخطوط العريضة للوحته، وبعدها يمر بأصابعه المغموسة بالنفط مكان الخطوط، ويتركها حتى تجف تمامًا ثم يبدأ فى التلوين، حتى لا تختلط الألوان فى اللوحة، وبذلك يرسم أرماغون لوحاته دون أية مساعدة من آخرين».

وغيرهم ظواهر أخرى ممن فجروا الضوء وألوان مدهشة بتأويلاتها في لوحات وأعمال تشكيلية حية وحقيقية وملهمة.

شاهد أيضاً

مشاركة محلية وعربية ودولية في مؤتمر ومعرض تقنيات النفط

احتضن معهد النفط بطرابلس بطرابلس، أمس الإثنين، أعمال مؤتمر ومعرض تقنيات النفط والغاز والطاقة المستدامة …